|
|
|
|
الخيال و شرحه الادبي |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الخيال : لغة و اصطلاحا
,الخيال مصطلح يعبرعن امور معنوية و قضايا فكرية لم يستقر على مدلول محدد و لم يتفق الباحثون على وضع تعريف جامع مانع له , مما اضطرني الى وقفة مع هذا الاصطلاح استجلي معناه اللغوي , و اتتبع مدلوله الاصطلاحي , حتى اكون على بينة من أمري
.
من يرجع الى أمهات المعاجم العربية القديمة , يستقصي فيها اصطلاح الخيال لغة يرى أنه لم ترد بنيته في الفعل الثلاثي , و مادار فيه فعله الثلاثي و مشتقاته لا يتعدى الظن , و ماإليه من المعاني فقد قيل " خال الشيء يخال الشيء خيلا و خيلة و خالا و خيلا و مخالة و مخيلة و خيلولة ظنه " و قال ابن هانىء في قوله من يسمع يخل ذلك عند تحقيق الظن و يخل مشتق من تخيل الى.....و قيل ...وخيل عليه شبه "
و قد جاء كذلك في القاموس المحيط "" خال الشيء يخال خيلا و خالا و خيالانا محركة و مخيلة ’ و مخالة و خيلولة : ظنه و تقول في مستقبله إخال بكسر الهمزة ...و خيل عليه تخييلا , و تخيلا وجه التهمه إليه و فيه الخير تفرسه كتخيله""
ويبدو ان كلمة الخيال تشكلت بينها حدود معنى الظن , وفاضت على الألسنة مؤدية لمعان متقاربة اهمها :-
الخيال) :-الشخص و الطيف ,و ماتشبه لك في اليقظة و الخيام في صورة و صور تمثال الشيء في المرآة
-و ما كل شيء , ما تراه كالظل و خشية ينصب عليها كساء اسود في المزروعات يفزع بها الطير , و في مرابض الغنم يفزع بها الذئب , و ما نصب في الارض ليعلم انها هي فلا يقرب
هذه المعاني تعود معظمها الى الظن , تدلنا على أن الخيال لغة ظل يدل حتى ايامنا هذه على التوهم و الخداع , و ما ليس من الواقع بصلة وثيقة
و في الدراسات النفسية المعاصرة اخذت كلمة الخيال , و اصطلح عليها على انها “احدى قوى العقل التى يتخيل بها الاشياء “ , وفي التنزيل العزيز “ يخيل اليه سحرهم انها تسعى” و لو تساءل الباحث عن العلاقة المتحققة بين معاني اصطلاح الخيال لغة و بين مدلولها الاصطلاحي لما توفرت له هذه العلاقة واصحة مسوغة ,مما يكشف لنا عن قلق مدلول كلمة الخيال و مثيلاتها في الحروف الاصلية عندما نلتقي بها في الدراسات البلاغية القديمة , و البحوث النقدية المعاصرة ,فقط “ يشير استخدامنا اللغوي المعاصر لكلمة الخيال الى القدرة على تكوين صور ذهنية لأشياء غابت عن متناول الحس
و تختلف عملية التخيل عن الخيال إذ يمكن ان تعد عملية التخيل بمثابة المقابل الدقيق لكلمة التي تدل على عملية التأليف بين الصور ,
و إعادة تشكيلها , و كلمة التخيل ترادف لغويا كلمة “التوهم” و “ التمثيل” تقول تخيلت فتخيل لي كما تقول : تصورته فتصور , و توهم الشيء تخيله وتمثله سواء أكان في الوجود أم لم يكن ة
و اية ذلك ان المازني مثلا تحدث عن مفهوم الخيال لدى الناس فقال : « تسمع من كثيرين قولهم : هذا خيال شاعر و نعرف بالتجربة الطويلة انهم يفهمون من الخيال مجافاة الحقائق , و تنكب التجارب و اقتناص موارد الاوهام و المحاولات “,
فهم بعض المتخصصين ان الخيال مرادف للوهم و الكذب , ولذلك نجد الدكتور مصطفى ناصف يدفع مفهوم الكذب عن اصطلاح الخيال مستعينا في ذلك بعلم النفس المعاصر يقول
“يقرر علم النفس إذن ان ضوء الالهام لا ينبثق , الا بعد فترة من التحصيل و الاشباع تليها فترة من الراحة , و السكون , ثم تأتي مرحلة التفكيك , فمعنى ذلك ان تأليف العناصر التي ينحصر فيها الالهام , و هذا التفكيك تحليل الى عناصر , و لكن بإعطاء بعض العناصر وظيفة جديدة , و إذا كان الابداع يقوم على التفكيك فمعنى ذلك ان تأليف العناصر المعهودة بشكل جديد قول ناقص يشوه حقيقة الابداع في صحيحه , فلا ترجع المدة الى كون التأليف او التنظيم جديدا فحسب , بل الى ان بعض العناصر التي أدخلت في النظام الجديد كانت -فعلا- جديدة من حيث معناها ووظيفتها , هذان هما جانبا الخيال تحليل و تركيب” ه
بفهم مما سبق ان عملية التخيل في مفهوم علم النفس , ليس حدثا ذهنيا لا يمت الى التفاعلات العضوية في نفس الشاعر و شعوره و عقله بوشابح و انما هي انعكاس عن التجارب الانسان و خبرته و معلوماته , و ثقافته
تتفاعل في ذاته تحليلا و تركيبا ثم تنتج في الكلام ماهو لغة لهذا التفاعل
و قد يماضج شاعرنا البحتري على الذين طالبوا الشعراء بالتزام المنطق , الذي هو أحد موضوعات الثقافة المتخصصة فهتف قائلا
الشعر لمح تكفى اشارته : و ليس بالهذر طولت خطبه **
كلفتمونا حدود منطقكم : والشعر يغني عن صدقه كذبه
** ولم يكن ذو القروح يلهج بالمنـ : طق مانوعه وماسببه
وقد ذهب طه حسين الى شيء من هذا المذهب فزاوج بين الشعر الجيد و العاطفة
مقررا بان “ الشعر الجيد يمتاز قبل كل شيء بانه مرآة لما في نفس الشاعر من عاطفة , مرآه تمثل هذه العاطفة تمثيلا فطريا بريئا من التكلف و المحاولة , فإذا خلت نفس الشاعر من عاطفة او عجزت من هذه العاطفة عن ان تنطق لسان الشاعر بما يمثلها فليس هناك شعر , و انما نظم لا غناء فيه “
وقريب من هذا المفهوم ما اورده البارودي في تعريف الشعراذ عده “ لمعة خيالية يتألق وميضها في سموات الفكر , فتبعث اشعتها الى صفيحة القلب فيفيض بلالائها نورا يتصل خيطه بأسلة اللسان “
فكأننا بالتعريفين السابقين ينفيان تلك الصلة بين الثقافة و الشعر الجيد و ينكران ان يكون الشعر الجيد من ثمار الثقافة كما هو مرآه العاطفة و بدهي ان شواهد كثيرة تؤكد العلاقة بين العقل و العاطفة في عملية الابداع الشعري فهذا ابن رشيق يشير الى ان “ العرب لا تنظر في اعطاف شعرها بأن تجنسه , او تطابق او تقابل فتترك لفظة للفظة او معنى لمعنى كما يفعل المحدثون , و لكن نظرها في فصاحة الكلام و جزالته , وبسط المعنى و ابرازه و اتقان بنية الشعر ,و احكام عقد القوافي و تلاحم الكلام بعضه ببعض حتى عدوا من الفضل صنعة الحطيئة حسن نسقه بعضه على بعض”
ثم ينتهي الى تفضيل البيت المصنوع من الشعر , اذا تساوى في معناه مع بيت مطبوع لان الصنعة الجديدة توفر الجمال و الحسن و لكنه اشترط لذلك “ الا تؤثر في المصنوع الكلفة و لا يظهر عليه التعمل و مجافاه الطبع الذي هو الاصل و عليه المدار “ (
و من النقاد المعاصرين الذين تعرضوا لهذا المفهوم الاستاذ احمد الشايب حين سعى الى تحليل عناصر الخيال و تحديد مصدره وتصوير ادواته فقال “ ,,,هذه اللغة المخترعة او الوسيلة البيانية التى تأخذ عناصرها من الطبيعة , و الاشياء و تؤلفها بطرق التشبيه , و المجاز و الكناية مثلا هذه اللغة هي الخيال فهو الذي تلجأ اليه العاطفة الادبية لتعبر عن نفسها حين تعجز العبارات الاخرى دون هذه الغاية “(1
إن ما تو صل اليه الاستاذ الشايب ربما يصلح مفهوما نقديا مقبولا لاصطلاح الخيال بأعتباره آداه من أدوات الثقافة ووسيلة متفننة من وسائلها و تأتي ثمار هذه الوسيلة التي حددها الاستاذ الشايب و فصلها غير واحد من الباحثين فإنها تقبل على انها المثل السائر , و الاستعارة الرائعة و التشبيه اللائق و الكناية البديعة , و المجاز العقلي المتفنن و المجاز المرسل المخترع و غير ذلك من اساليب التعبير عن الموضوع التفافي و المعنى العقلي , و الخلجة العاطفية المنفعلة (2
اثر الخيال في بناء القصيدة
يرى شوقي ضيف أن الخيال هو الملكة التي يستطيع بها الادباء ان يؤلفوا صورتهم , و هم لا يؤلفونها في الهواء , انما يؤلفونها في احساسات سابقة لا حصر لها , تختزنها عقولهم , و تظل كامنة في مخيلتهم , حتى يحين الوقت فيؤلفوا منها الصورة التي يريدونها (3 و يعرضونها عرضا مؤثرا مجسما صادقا بشكل منسق منظم (4 و صور الخيال تتنوع منها بصري كتمثال الفضيلة في صورة فتاة جميلة ذات ملابس انيقة تستهوي القلوب , ومنها سمعي كالصور التي يؤلفها الموسيقيون , فإنهم يسمعون في باطنهم ووراء آذانهم صورا موسيقية بديعة يعبرون عنها في الحانهم الرائعة , وكثير من الادباء سمعيون , ويظهر ذلك في اسلوبهم , ودقة صياغتهم و براعة آدائهم و يحسن كثير من القاصين الصور الشمية و الذوقية و اللمسية احساسا قويا(5
و لما كان الخيال صميم كل عمل ادبي كبيرا او صغيرا و لا يكاد الشعراء يتركون شيئا في الطبيعة الا و ينفثون فيه عواطفهم , و خواطرهم و مشاعرهم فالنهار يتثاءب , و الليل يزحف , و الشمس تمد في الغروب ذراعيها مودعة و غيرها من التعابير المجازية المحلقة في عالم الخيال التى تصرفنا الى عالم روحي يلذ القلوب و الافئدة (1
و الاستاذ العقاد يقسم العقول الى دينية و فلسفية و فنية هي التى ترمز للحقيقة بالخيال و للخيال بالحقيقة و كجمع بين مشاهد الواقع و قيم الجمال , و يجعل الصور الخيالية و المعاني الذهنية هي الاصل في جمال الاسلوب في الادب و الفنون (2
الخيال و دوره في وحدة العمل الابداعي
يرى الرومانتكيون و على رأسهم كلوردج ان الخيال هو ملكة او موهبة او نشاط يقف بالشاعر على العالم الباطن او الحقائق القابعة في الماوراء و بالتالي فان الخيال هو القوة الحية او الوسيلة الاولى للادراك او التى تجعل الادراك ممكنا (3
اما عن دور الخيال في تحقيق وحدة العمل الابداعي فان كلوردج يرى ان الخيال “ هو القوة التي بواسطتها تستطيع صورة معينة او احساس واحد ان يهيمن على عدة صور او احاسيس في القصيدة فيحقق الوحدة فيما بينها بطريقة اشبه بالصهر “
(4)
يفهم من قول كلوردج ان الذي يحقق الوحدة في العمل الشعري هو و حدة الشعور او العاطفة او الاحساس بحيث يصهر العمل الشعري عناصره الاخرى فتبدو القصيدة عملا موحدا “ , يرى كلوردج ان عناصر العمل الشعري من فكرة و موسيقى و وزن , و غيرها تنصهر انصهارا تاما في ذات الفنان , و تصبح بعد عملية الانصهار شيئا جديدا ياخذ فيه كل جزء من اجزاء العمل الشعري شيئا من صفات الاجزاء الاخرى ,كانحلال قطعة السكر التي تذوب في اناء من الماء فتبقى فيه و تظل تفعل في كل ذرة من ذراته ,
و لكن لا يمكن ان يعثر عليها في صورة قطعة من السكر (1 , او على حد قول العقاد حين شبه الوحدة الداخلية للعمل الشعري بتداخل الامواج بعضها في بعض
(2)
هذه الوحذة الفنية ترجع الى فاعلية الخيال في صوغها و تحقيقها ,و يرى العقاد ان القصيدة العربية القديمة تخلو من هذه الوحدة الفنية لأنها تقوم على وحدة البيت “فالابيات العربية طفرة والابيات الانجليزية موجة تدخل في موجة لا تنفصل عن التيار المتسلسل الفياض وسبب ذلك هو ان الحس لا يربط بين المعاني وانما يربط بينها التصور والتعاطف والملكة الشاعرة “”(3
وعلى هذا الاساس هاجم العقاد شعر شوقي لانه يقوم على المشابهة الزائلة تكون بين الاشياء كقول شوقي في الرثاء (4
لفــوك في علم البلاد منكسا :جزع الهلال على فتى الفتيان
مااحمر من خجل ولا من ريبة : لكنما يبكي بدمع قان
فشوقي لم يستطع النفاذ الى لب الظواهر , ولا استكناه العلاقات الصحيحة بين الاشياء وخياله من هذه الجهة ظحل ومنقوص فليست مزايا الشاعر ان يقول لك عن الشيء ماذا يشبه , وانما مزيته ان يقول ماهو , ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به ,,, وما ابتدع التشبيه لرسم الاشكال والالوان وانما ابتدع لنقل الشعور بهذه الاشكال والالوان من نفس الى نفس وبقوة الشعور وتيقضه وعمقه واتساع مداه ونفاذه الى صميم الشياء يمتاز الشاعر عن سواه “(5
وقريب من قول شوقي قول الشاعر العربي القديم السري الرفاء حين راح يتخيل صورة الهلال وسط سماء صافية بتراءا كنون مرسومة بماء الفضة على صفيحة زرقاء
وكأن الهلال نون لجبن : رسمت في صحيفة زرقاء
ان مثل هذه الصورة هي من قبيل الوصف التقريري الذي تقف فيه الكلمات عند مدلولها الحرفي المباشر لا تتجاوزه الى ابعاد اخرى , كما انها مستقلة يكتفي فيها الشاعر بما عقده من علاقات جزئية بين طرفي التشبيه (1
فمثل هذه الصورة هي صورة تقريرية عقلية مقصودة لذاتها مهمتها عقد العلاقة الشكلية والجزئية من المشبه والمشبه به ففاعلية الخيال تتجلى فيما يحدثه من انسجام من اتعناصر المتنافرة في العمل الشعري وبفعل الاحساس الذي يسري في القصيدة ويهمن كل ابياتها ، يبدو العمل الشعري وحدة حية كالبنية الحية لكل جزء وظيفته , ويؤدي بعضها الى بعض عن طريق التسلسل في التفكير , والمشاعر, وهذا يعني ان بنية القصيدة حية تامة الخلق والتكوين
فالقصيدة ليست ضربا من المهارة في صياغة ابيات من الشعر وانما هي بناء بكل ما تحمله كلمة بناء من معنى ، انها عمل تام كامل ينقسم الى وحدات تسمى ابيات ولكن كل بيت خاضع لما قبله لا تحجزه عنه خنادق او ممرات فهو خيط في النسيج يدخل في تكوينه ويساعد على تشكيله (2
فالقصيدة ليست خواطر مبعثرة تتجمع في اطار موسقي وانما هي بنية نابضة بالحياة تتجمع فيها احساسات الشاعر وذكرياته لتكون مزيجا مركبا من حقائق كثيرة وجدانية وعقلية متآلفة
اذن فالخيال له دور فعال في عملية الابداع الشعري ، فوحدة القصيدة تتوقف عليه ، ولذلك فالشاعر مطالب بان يفكر طويلا في منهج قصيدته وفي الاثر الذي يريد ان يحدثه في سامعيه ، وفي الاجزاء التي تتدرج في هذا الاثر بحيث تتمشى مع بنية القصيدة بوصفها وحدة حية ، ثم في الافكار التي يشتمل عليها كل جزء بحيث تتحرك به القصيدة الى الامام لاحداث الاثر المقصود منها عن طريق التتابع المنطقي وتسلسل الافكار ووحدة الطابع والوقوف وعلى المنهج الذي يساعد على ابتكار الافكار الجزئية ، والصور التي تساعد على توكيد الاثر المراد اذ تصبح الصورة والاخيلة كالبنية الحية في بناء القصيدة واذكاء الشعور فيها ولا تكون تقليدية تتراكم على حسب ما تمليه الذاكرة بل لابد من تعاونها لرسم الصورة العامة ، كقول مخائيل نعيمة في قصيدة له بعنوان “أخي” ه
اخي من نحن لا وطن ولا اهل ولا جار
اذا نمنا اذا قمنا ردانا الخزي والعار
لقد خمت بنا الدنيا كما خمت بموتانا
فهات الرفش واتبعني لنحفر خندقا اخر
اذا كانت طبيعة الفن وماهيته تقتضيان ان تكون الوحدة العضوية هي وحدة الصور او وحدة الاحساس فان من حق النقد ان يفرق بين وحدة الموضوع او الوحدة المنطقية وبين الوحدة الفنية او الوحدة العضوية ، وهو ما اكده الدكتور محمد مصطفي بدوى في قوله “ان للوحدة معاني عدة فقد تكون الوحدة هي وحدة المتكلم او الراوي ، اي ان الذي يربط بين اجزاء الكلام هو الشخص المتكلم فقط ، وقد يقصد بالوحدة وحدة موضوع الحديث بمعنى ان الحديث يدور حول موضوع بالذات ، وهناك الوحدة المنطقية فنقول ان الكلام تتحقق فيه الوحدة قاصدين بذلك ان اجزاءه ملتئمة ولا تناقص بينها ، وهناك ايضا الوحدة الشعرية او الفنية “(2)ه
يفهم مما سبق ان هيمنة الصورة او الاحساس الواحد في سائر العمل الفني هو اساس الوحدة العضوية فيه وان الترابط المنطقي لاجراء القصيدة و تتابع ابياتها تتابعا مقنعا شيء لا يقدم و لا يؤخر من قيمة القصيدة الفنية و ان التسلسل المنطقي لا يمكن ان يحل محل التتابع او التسلسل الفني للقصيدة ولا يغني عنه و
ان الصورة في الشعر ليست الا تعبيرا عن حالة نفسية معينة يعانيها الشاعر اثناء موقف معين من مواقف الحياة و ان اية صورة داخل العمل الشعري انما تحمل من الاحساس و تؤدي من الوظيفة بما تحمله من خيال شعري يؤلف بين اجزاءها ومن مجموع تلك الصور تتالف الصورة الكلية للقصيدة
ان فهم التجربة و ادراك القيمة الفنية للقصيدة لا يمكن ان يتم للناقد او الدارس الا بعد دراسة صور القصيدة مجتمعة , و تتبع العلاقات الحية التي تنشأ بين اجزاءها
-
لايكفي لفهم عملية الابداع الشعري الوقوف المجرد عند فهم المعاني الظاهرة لأبيات القصيدة بل لابد مع وجود المعاني الظاهرة الغوص وراء القوة الايحائية للقصيدة و تتبع ما يكمن وراء صورها و كلماتها و انغامها من رموز تعبر عن حالات الشاعر الشعورية و النفسية ثم البحث عن الخيط العاطفي المتصل الذي يربط بين اجزاء العمل الشعري و الذي يخلعه الشاعر على القصيدة كلها
-
و مما تجدر الاشارة اليه ان من اوائل الذين لاحظوا في عصرنا الحديث هذا النمو العضوي في القصيدة العربية خليل مطران الذي عمل جادا على تحويل الكثير من قصائده الى هذه الصورة الجديدة كما ينصح من قوله “ هذا شعر عصري و فخره آنه عصري و له على سابق الشعر مزية زمانه على سالف الدهر هذا شعر لا تحمله ضرورات الوزن او االقافية على غير قصده , يقال فيه المعنى الصحيح باللفظ الصحيح و لا ينظر قائله الى جمال البيت المفرد بل ينظر الى جمال البيت في ذاته و موضعه و جمال القصيدة في تركيبها و ترتيبها و في تناسق معانيها و توافقها,,, »(1)ه
خلاصة القول: ان قيمة الخيال في عملية الابداع الشعري محدودة عند الكلاسيكيين حيث كان اهتمامهم به مقصورا على ما يشتمل عليه الشعر من مجاز او صور حسية فالشاعر في رأيهم لم يكن إلا صانعا يراعي الصقل و الترتيب في صنعته كما يراعي ما يشترك الناس جميعا في فهمه و ادراكه , بينما الخيال عند الرومنتكيين هو القوة الخارقة التي تصهر العمل الابداعي في بوتقة واحدة “ فهو الرؤية المقدسة و القوة الوحيدة التي تخلق الشعر , و من هنا كان الخيال في النقد الرومانسي هو بمثابة العقل عند الكلاسيكيين يحتكمون اليه و يجعلونه المنفذ الوحيد للحقيقة , و لذلك لا غرابة اذا وجدنا من يعرف الشعر على اساس انه تعبير عن الخيال حيث يحترم العقل الفروق بين الاشياء في حين يحترم الخيال مواضع الشبه فيها (1
اذن فالخيال جوهر العملية الابداعية الشعرية و ليس زينة يوشي بها , لذلك كان لابد للشاعر من خيال خارق يبتكر الصور ابتكارا و هذا يتطلب منه ان يتغلغل في التيارات الخيالية بفكره وحسه وهو ما افسحته المذاهب الادبية الحديثة كالرمزية و السريالية لوظيفة الخيال ليقوم بدوره في ولادة العمل الشعري و التعبير عن موقف موحد للشاعر ازاء موضوعات التجربة الذاتية (2 غير ان الخيال الخلاق لا يعني شطحات الاوهام التي تشتت اجزاء القصيدة و تمزق وحدتها , انما هو الخيال الذي يجمع بين طائفة من الحقائق , حقائق الوجدان و انفعالاته و يربط بين اشتاتها ربطا محكما لا ينكره الحس و لاالعقل
ـ
تحياتي
|
Aujourd'hui sont déjà 1 visiteurs (1 hits) Ici! |
|
|
|
|
|
|